أصبح الاعتماد على بطاقات الخصم وتراجع استخدام النقد سمة مجتمعية واضحة ومتنامية خلال العشر سنوات الماضية، ولعل السويد أبرز الدول التي شهدت تحولاً إلى مجتمع لا نقدي، فما الذي يمكن تعلمه من هذه التجربة؟
بدأ النقد يتلاشى من أيدي السويديين فعلياً، فقد انخفض حجم النقد الذي يتم تداوله من 80 مليار كرونة (نحو ثمانية مليارات دولار) إلى 58 مليار كرونة (حوالي ستة مليارات دولار) خلال الأربع سنوات الماضية، كما انخفضت عمليات السحب من ماكينات الصراف الآلي بأكثر من النصف خلال نفس الفترة.
ثقة اقتصادية
من أول الدروس المستفادة من تجربة السويد في التحول إلى مجتمع لا نقدي هي أن المواطنين أنفسهم تولدت لديهم ثقة كبيرة في الحكومة والاقتصاد والتكنولوجيا الرقمية بحيث أن متاجر “إيكيا” ووسائل المواصلات العامة والمتاحف لا تتعامل بالنقود السائلة.
أظهرت استطلاعات رأي أن ما يقرب من 25% من الشعب السويدي أصبح يفتقد النقد السائل نظرا لاختفائه من أمام أيدي الكثيرين في البلاد، لكن هذا التحول لن يمر مرور الكرام، بل إن له ثمن.
الثمن الذي يمكن دفعه سيأتي عندما تتعرض السويد لأزمة طاحنة أو حرب أو معارك دموية في الشوارع، واعتمدت الحكومة إرشادات وخطوات يمكن للمواطنين اتباعها حال تأزم حياتهم اليومية.
مع ذلك، لن تخلو الخطط من الأخطاء والعيوب، فماذا لو انهارت الأنظمة الرقمية في البلاد أو تعطلت شبكات الجوال والإنترنت؟ يمكن حدوث ذلك بشكل عادي سواء بهجمات إلكترونية أو اختراق سيبراني.
تعتمد الخطة الحكومية وقت الحروب والأزمات على إطلاق تطبيق يسمى “Swish” يتيح تحويل أموال بشكل فوري لأرقام الجوال أو عن طريق تكنولوجيا “iZettle” للدفع، أو التعامل برقاقات إلكترونية تم زرعها تحت الجلد لدى البعض من أجل الدفع بعد تمرير الرقاقة على أجهزة معينة.
تراجعت النقود السائلة من أيدي المواطنين كما أن العديد من البنوك في السويد لم تعد تقبل الودائع السائلة أو السحب، وفي ظل ذلك، تعمل الجهات المصرفية على تدشين بنية تحتية قوية للمجتمع الرقمي.
عملة رقمية سيادية
في ظل تحدي التحول بعيدا عن النقود السائلة وتراجعها من أيدي المواطنين، تدرس السلطات المصرفية إطلاق عملة رقمية سيادية بواسطة البنك المركزي تحت اسم “إي – كرونة”.
ليست السويد فقط، بل إن ما يقرب من أربعين دولة حول العالم تدرس إطلاق عملة رقمية سيادية، وتحدث أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي مؤخراً عن ضرورة إطلاق “إي – دولار” رقمي.
تعد هذه الخطوة أيضا محفوفة بالمخاطر نظرا لتعاون البنوك المركزية مع القطاع الخاص في تطوير عملات رقمية سيادية، ومن بين المخاطر ففقدان السيطرة على السياسة النقدية والتنافس مع عملات أخرى مثل “ليبرا” التي تعتزم “فيسبوك” طرحها.
كان المقترح وراء إطلاق عملة رقمية سيادية يهدف إلى تيسير المعاملات المالية، لكنه أصبح لاحقاً تعبيراً عن القوة والخوف من وقوع هذه القوة في أيدي جهات غسل أموال أو تمويل إرهاب.
مع ذلك، يرجع الأمر في نهاية المطاف إلى ثقة العامة في الحكومة والسلطات المصرفية في التعامل رقمياً بعملة افتراضية سيادية.
ثورة اللانقد
تشجع العديد من البنوك حول العالم على تبني فكرة اللانقد في التعاملات المالية من خلال حث المواطنين على استخدام بطاقات الخصم والائتمان في الدفع للخدمات والمنتجات المختلفة.
قررت البنوك السويدية خفض الاعتماد على النقود السائلة لمخاوف أمنية في أعقاب سلسلة من حوادث السرقة الكبيرة أوائل الألفية الثالثة، لكن عام 2017، لم تقع سوى جريمتي سرقة بنوك فقط مقارنة بـ210 جرائم عام 2008.
قلصت البنوك أعداد ماكينات الصراف الآلي في السويد من أجل تقليل استخدام النقود السائلة بالإضافة إلى أن تكلفتها أصبحت باهظة من حيث التطوير والاستخدام والصيانة.
يخطط البنك المركزي السويدي لتجربة الكرونة الرقمية قريباً، وهو ما يعني المزيد من الاختفاء في السيولة من أيدي المواطنين لتمتلك السويد الرياد في ثورة اللانقد.
قال البنك المركزي إن هذه الإجراءات ليست حرباً على النقود، لكنها ثورة رقمية وتكنولوجية من الصعب وقف التحول إليها.
المصدر هنا